10 - 05 - 2025

وجهة نظري| أمريكا وإيران واللعب على حافة الهاوية

وجهة نظري| أمريكا وإيران واللعب على حافة الهاوية

أمريكا ليست وحدها الشيطان الأعظم، كما أن إيران ليست الحمل الوديع.. ومن السذاجة تصنيف هاتين القوتين بتلك المقاييس المضحكة.. ومن الحماقة أن نردد ماتطلقه كل قوة من هاتين القوتين من نعوت وصفات تشيطن بها القوة الأخرى وتبريء بها نفسها، بالرغم من أن سياسة كل منهما على أرض الواقع لاتختلف كثيرا عن الأخرى.

تختلف التفاصيل لكن الهدف واحد.. تسعى أمريكا للهيمنة بينما لا تدخر إيران وسعا فى بسط نفوذها وسطوتها.. تسخر واشنطن العملاء والحلفاء لتحقيق مصالحها وزيادة ثرواتها وتمتد أذرع طهران لتحقق نفس الأهداف، وإن بدت الوسائل والأدوات مختلفة.. تتخفى أمريكا وراء جماعات إرهابية كانت أول من احتضنها ومولها ووظفها لمواجهة قوة عظمى منافسة، ثم تشن حربا ضروسا ضدها، بعدما إنقلب السحر على الساحر، وأصبح العائد من إدعاء محاربته أكبر بكثير من توظيفه وتسخيره لصالحها.. بينما تحرك إيران ميليشياتها العربية لتحقق نفس الهدف.

المأساة أن تلك الحرب غير المباشرة لا تتم على أرض أى منهما، وإنما تقع على أراضى عربية ويكون ضحاياها دماء عربية، وخسائرها ايضا من إقتصاد وأموال شعوب عربية، وبتواطؤ وخنوع وتخاذل حكام دول عربية.

كل الأحداث الدموية التى عصفت بتلك الشعوب، تؤكد تلك الحقيقة المؤسفة والمخجلة.. وجاءت حادثة إغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليمانى لتجدد ذلك الإحساس بالخزى والمهانة الذى يشعر به كل عربى، بينما يرى أرض بلد عربى شقيق تتحول لساحة حرب وحرب مضادة، بينما يقف شعبها مكتوف الأيدى عاجزا عن مقاومة خزى الإستباحة وفجور الإعتداء.

فصول مأساوية توالت منذ إن إستهدفت إيران السفارة الأمريكية بالعراق لتنتفض بعدها واشنطن متوعدة وترد بإستهداف قاسم سليمانى الذى يوصف بأنه رأس حربة إيران، والذى تنظر إليه طهران بكثير من الفخر وتعده الرجل الذى يتم اللجوء إليه دائما وقت الأزمات.

تدرك واشنطن قيمة الرجل وبالطبع كان إستهدافه رسالة قوية تحمل من الوعيد أكثر مما تحمله من تحذير وغضب.. وبالرغم من تصريحاتها العدائية لسليمانى إلا أن ذلك العداء لم يمنعها يوما من الإستفادة من خبراته وإجراء محادثات مباشرة بينه وبين عدد من مندوبيها عام 2007 بشأن تدهور الوضع الأمنى بالعراق.. بينما دعا السفير الأمريكى السابق فى العراق ربان كروكر عام 2013 للاستفادة من سليمانى، وأقر بدوره الكبير الذى تبينت قوته ووضوحه خلال فترة عمله فى السفارة الأمريكية بالعراق.

تدرك واشنطن أن استهدافها لرجل بحجم وقيمة ومكانة سليمانى لن يمر دون رد فعل إيرانى عنيف، لذا إستبقت إيران برسالة أرسلتها إليها عبر السفارة السويسرية نبهت إلى ضرورة أن يكون الرد مكافئا لمقتل سليمانى.

إيران التى إعتبرت هذه الرسالة مهينة لم تتردد بإطلاق سيل من التهديدات المتوعدة لواشنطن وقواعدها بالمنطقة، ليس هذا فقط بل وتعهدت أن يتجاوز ردها الخيار العسكري، فى إشارة واضحة لتخليها عن القيود المفروضة عليها لتخصيب اليورانيوم وإن لم يفتها بالطبع إعلان إستمرار تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

تبدو خطوات إيران للرد على مقتل سليمانى دعائية أكثر منها إنتقامية، كشفت عن ذلك سلسلة الصواريخ التى أعلنت إطلاقها تجاه القواعد الأمريكية فى شمال العراق والتى أكدت المصادر الإستخباراتية لصحيفة الجارديان  أنها تمت بالتنسيق مع القوات الأمريكية، ومن ثم لم تتسبب هذه الصواريخ فى وقوع ضحايا من الجنود الأمريكيين. أيا ماكانت حقيقة تلك التصريحات فهى تكشف أن خلف كواليس الحرب الإمريكية الإيرانية المعلنة هناك من الجسور والحوارات والتفاهمات ما يعطى أبعادا أخرى وتفاصيل وأهداف أعمق كثيرا مما يدور على السطح.

فى السياسة ليست هناك عداوات دائمة ولا علاقات ود وتفاهم أبدية، وإنما تقوم العلاقات بين الدول على أساس المصالح والمنافع المشتركة.

المشكلة أو المأساة أن القوى الكبرى تتعامل وفق هذه العقيدة، بينما تظل الدول العربية مجرد أدوات تستخدمها هذه الدول لشن الحروب بالوكالة، يتم إستنزاف مواردها ودماء أبنائها وإستباحة أراضيها، رغم أنه فى النهاية تخرج خاسرة فى معركة لاناقة فيها ولاجمل.

إستهدفت أمريكا عدوها على أرض عراقية، وتوعدت إيران بالثار من أمريكا على أراض عربية. انتهكت واشنطن سيادة أوطان عربية وإستباحت إيران أراض عربية.

غضبت أمريكا من البرلمان العراقى عندما إتخذ قرارا سياديا بدعوة القوات الامريكية للرحيل.. وتوعدت بفرض عقوبات إقتصادية على العراق إذا ما مضت قدما فى العمل على إنهاء الوجود الامريكى فى تصريحات مستفزة أهدرت البقية الباقية من الكبرياء العربى.

بينما تتبجح إيران معلنة إستهداف قواعد أمريكية فى كل البلدان العربية.

حرب وحرب مضادة بين قوى لاتعرف سوى لغة القوة بينهما بلدان عربية رخوة لاتعرف سوى الصمت بعدما فقدت حتى ماء وجهها فلم يعد يعنيها كثيرا المحافظة عليه.
--------------------------
بقلم: هالة فؤاد

مقالات اخرى للكاتب

قانون الإيجار القديم .. لغم لا يحمد عقباه